كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الجابية في اللغة: الحوض الكبير وجماعته جواب.
قرأ ابن كثير: كالجوابي بالياء في الوقف والوصل جميعًا.
وقرأ أبو عمرو: وبالياء في الوصل والباقون بغير ياء.
فمن قرأ بالياء فلأنه الأصل ومن حذف فلاكتفائه بكسر الياء.
قوله: {كالجواب وَقُدُورٍ رسيات} يعني: ثابتات في الأرض لا تزول من مكانها، وكان يتخذ القدور من الجبال.
قال مقاتل: كان ملكه ما بين مصر وبابل.
وقال بعضهم: جميع الأرض.
ثم قال: {اعملوا ءالَ دَاوُدُ شاكرا} يعني: يا آل داود لما أعطيتكم من الفضل.
ويقال: معناه اعملوا عملًا تؤدوا بذلك شكر نعمتي {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور} والشكور هو المبالغة في الشكر.
وهو من كان عادته الشكر في الأحوال كلها.
ومثل هذا في الناس قليل.
وهذا معنى قوله: {وَقَلِيلٌ مّنْ عِبَادِىَ الشكور} وروي عن أبي العالية أنه قال هو شكر الشكر يعني: إذا شكر النعمة يعلم أن ذلك الشكر بتوفيق الله عز وجل.
ويشكر لذلك الشكر، وهذا في الناس قليل.
ثم قال عز وجل: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} يعني: على سليمان عليه الصلاة والسلام فكان سليمان يبني في بيت المقدس، فرأى أن ذلك لا يتم إلا بالجن.
فأمرهم بالعمل وقال لأهله: لا تخبروهم بموتي.
فكان قائمًا في الصلاة، متكئًا على عصاه، وكان سليمان عليه الصلاة والسلام يطول الصلاة.
فكان الجن إذا حضروا، رأوه قائمًا فرجعوا ويقولون: إنه قائم يصلي فيقبلون على أعمالهم.
وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه عن عكرمة قال: كان سليمان عليه السلام إذا مرّ بشجرة يعني: بشيء من نبات الأرض قال لها: ما شأنك؟ فتخبره الشجرة أنها كذا وكذا، ولمنفعة كذا وكذا، فيدفعها إلى الناس حتى ينتفعوا بها.
فمر بشجرة فقال لها: ما اسمك يا شجرة؟ فقالت: أنا خرنوبة.
فقال: ما شأنك؟ قالت: أنا لخراب المسجد.
فتعصى سليمان منها عصا، فكانت الجن يقولون للإنس: إنا نعلم الغيب.
وإن سليمان سأل الله عز وجل أن يخفي موته.
فلما قضى الله عز وجل على سليمان الموت لم تدر الجن ولا الإنس ولا أحد كيف مات، ولم يطلع أحد على موته.
والجن تعمل بأشد ما كانوا عليه، حتى خرّ سليمان عليه السلام فنظروا كيف مات فلم يدروا، فنظروا إلى العصا فرأوا العصا قد أكلت يعني: قد أكل منها، وفي العصا أرضة.
فنظروا إلى أين أكلت الأرضة من العصا.
فجعلوه علمًا، ثم ردوا الأرضة فيها فأكلت شهرًا، ثم نظروا كم أكلت في ذلك الشهر، ثم قاسوها بما أكلت من قبل.
فكان لموته اثنا عشر شهرًا.
فتبيّن للجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين.
فقالت الجن: إن لها علينا حقًا.
يعني: الأرضة فهم يبلغونها الماء فلا يزال لها طينة رطبة فذلك قوله: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الموت} {مَا دَلَّهُمْ على مَوْتِهِ} يعني: ما دلّ على موت سليمان {إِلاَّ دَابَّةُ الاْرْضِ} يعني: الأرضة {تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ} يعني: عصاه.
قرأ نافع وأبو عمرو {مِنسَأَتَهُ} بلا همز.
وقرأ الباقون بالهمز.
فمن قرأ بالهمز فهو من نسأ ينسأ إذا زجر الدابة، ثم تسمى عصاه منسأة لأنه يزجر بها الدَّابَة.
ومن قرأ بغير همز فقد حذف الهمزة للتخفيف وكلاهما جائز.
{فَلَمَّا خَرَّ} يعني: سقط عليه السلام {تَبَيَّنَتِ الجن} علم الإنس أن الجن لا يعلمون الغيب.
ويقال: {تَبَيَّنَتِ الجن} يعني: ظهر لهم: أنهم لو علموا الغيب يعني: {أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ الغيب مَا لَبِثُواْ في العذاب المهين} فتفرقوا عن ذلك.
قرأ حمزة: {مّنْ عِبَادِىَ الشكور} بسكون الياء.
وقرأ الباقون بالنصب وهما لغتان وكلاهما جائز.
قوله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} قرىء بالنصب والكسر.
وقد ذكرناه من قبل.
فمن قرأ بالكسر والتنوين جعله اسم أب القبيلة ومن قرأ بالنصب جعله أرضًا والأول أشبه.
لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن سبأ فقال: «هُوَ اسمُ رَجُلٍ».
ويقال: هو سبأ بن يشخب بن يغرب بن قحطان.
وروي عن ابن عباس أنه قال: هي من قرى اليمن بعث عز وجل ثلاثة عشر نبيًا عليهم السلام إلى ثلاث عشر قرية باليمن اتبع بعضهم بعضًا، حتى اجتمعت الرسل في آل سبأ.
وقرية أخرى، فأتوهم فذكروهم نعم الله عز وجل وخوفوهم عقابه.
وروى أسباط عن السدي قال: كانت أرضهم أرضًا خصيبة، وكانت المرأة تخرج على رأسها مكتلًا فلا ترجع حتى تملأ مكتلها من أنواع الفاكهة من غير أن تمد يدها، وكان الماء يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يحبس بين جبلين، وكانوا قد ردموا ردمًا بين جبلين فحبسوا الماء، وكان يأتيهم من السيول فيسقون بساتينهم وأشجارهم.
ويقال: كان لهم وادي.
وكان للوادي ثلاث درفات.
فإذا كثر الماء فتحوا الدرفة العليا، وإذا انتقص فتحوا الدرفة الوسطى، وإذا قلّ الماء فتحوا الدرفة السفلى.
فأخصبوا، وكثرت أموالهم، واتخذوا من الجنان ما شاءوا.
فلما أحبوا ذلك وكذبوا رسلهم، بعث الله عز وجل عليهم جرذًا، فنقب ذلك الردم بجنب بستان رجل منهم يقال له عمران بن عامر وهو أب الأنصار والأزد وغسان وخزاعة ويسمون المنسأة العرم، فدخل البستان فإذا هو ينقب العرم وقد سال فأمر به فسد ثم نظر إلى الجرزة تنقل أولادها من أصل الجبل إلى أعلاه.
وكان كاهنًا فقال: ما تنقل هذه الجرزة أولادها من أصل الجبل إلى أعلاه إلا وقد حضر هلاك هذه البلدة.
فدعى ابن أخ له فقال: إذا رأيتني جلست في جماعة قومي فائتني.
فقل: أي عم أعطني ميراثي من أبي.
فإني سأقول: وهل ترك أبوك شيئًا؟ فأردد علي وكذبني.
فإذا كذبتني فإني سألطمك فالطمني.
فقال: أي عم ما كنت لأفعل هذا بك؟ قال: بلى.
فلما رأى لعمه في ذلك هوًى.
قال: أفعل ما تأمرني، ففعل.
فقال عمران بن عامر: لله علي كذا وكذا أن أسكن هذه البلاد من يشتري ما لي.
فلما عرفوا منه الجد قال هذا: أعطيك كذا.
فنظر إلى أجودهم صفقة.
فقال: عجل إليَّ مالي فقد حلفت أن لا أبيت بها، فعجل إليه ماله، وارتحل من يومه حتى شخص عنهم، فاتسع ذلك الخرق حتى انهدم وغرق بلادهم، وتفرقوا في البلدان.
فذلك قوله: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ} {فِى مَسْكَنِهِمْ} قرأ الكسائي: {فِى مَسْكَنِهِمْ} بكسر الكاف والنون.
وقرأ حمزة وعاصم في رواية حفص: {مَسْكَنِهِمْ} بنصب الكاف وكسر النون.
وقرأ الباقون: {مساكنهم} بالألف.
والمسكن بنصب الكاف وكسره واحد وهما لغتان مثل مطلع ومطلع.
والمساكين جمع مسكين.
وقد قيل: المسكن جمع المساكين لقد كان في منازلهم وقرياتهم {ءايَةً} أي: علامة ظاهرة لوحدانيتي {جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ} يعني: بستانان عن يمين الوادي، وعن شماله.
وإنما أراد بالبستان البساتين.
ويقال: بساتين عن يمين الطريق، وبساتين عن شماله.
فأرسل الله تعالى إليهم الرسل فذكروهم النعم فقيل لهم {كُلُواْ مِن رّزْقِ رَبّكُمْ} يعني: من فضل ربكم {واشكروا لَهُ} فيما رزقكم {بَلْدَةٌ طَيّبَةٌ} يعني: هذه بلدة طيبة لينة بلا سبخة {وَرَبٌّ غَفُورٌ} لمن تاب من الشرك {فَأَعْرِضُواْ} عن الإيمان.
وقالوا: من ذا الذي يأخذ منا النعم {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العرم} والعرم هو اسم لذلك الوادي.
ويقال: اسم للمنشأة.
ويقال: هو اسم للفأرة التي قرضت النهر حتى سال عليهم الماء.
وجرى في بساتينهم وفي بيوتهم فخربها، وندت أنعامهم، وأخذ كل واحد منهم بيد ولده وامرأته، فصعدوا بهم الجبل فذلك قوله تعالى: {وبدلناهم بجناتهم جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَىْ أُكُلٍ خَمْطٍ} يعني: أبدلهم الله تعالى مكان الفاكهة ذواتي أكل خمط أي الأراك {وَأَثْلٍ} يعني: الطرفاء {وَشَىْء مّن سِدْرٍ قَلِيلٍ} والسدر كانوا يستظلون في ظله، ويأكلون من ثمره.
قرأ أبو عمرو: {أَكَلَ} بكسر اللام بغير تنوين.
وقرأ الباقون بالتنوين فمن قرأ بالتنوين أراد {ذَوَاتَىْ} ثمر يؤكل ثم قال: {خَمْطٍ} بدلًا من أكل.
والمعنى: ذواتي خمط وأكله ثمرة.
ومن قرأ: بغير تنوين أضاف الأكل إلى الخمط.
والخمط هو الأراك في اللغة المعروفة.
وقال بعضهم: كل نبت أخذ طعمًا من مرارة، حتى لا يمكن أكله فهو خمط.
ثم قال: {ذلك جزيناهم} يعني: ذلك الذي أصابهم عقوبة لهم عاقبناهم {بِمَا كَفَرُواْ} أي: بكفرهم {وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الكفور} يعني: وهل يعاقب بمثل هذه العقوبة إلا الكفور بنعمة الله تعالى.
ويقال: {الكفور} الكافر.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص: {وَهَلْ} بالنون وكسر الزاي {نُجْزِى إِلاَّ الكفور} بالنصب.
وقرأ الباقون {يجازي} بالياء وفتح الزاي {نُجْزِى إِلاَّ الكفور} بالضم.
فمن قرأ بالنون فهو على معنى الإضافة إلى نفسه.
والكفور ينصب لوقوع الفعل عليه.
ومن قرأ {يجازى} بالياء فهو على فعل ما لم يسم فاعله.
يعني: هل يعاقب بمثل هذه العقوبة إلا الكفور بنعمة الله تعالى.
ويقال: هل يجازي الله.
ومعنى الآية: أن المؤمن من يكفر عنه السيئات بالحسنات، وأما الكافر فإنه يحبط عمله كله، فيجازى بكل سوء يعمله كما قال تعالى: {الذين كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ الله أَضَلَّ أعمالهم} [محمد: 1] أي: أبطل أعمالهم وأحبطها، فلم ينفعهم منها شيء وهذا معنى قوله: {وَهَلْ نُجْزِى إِلاَّ الكفور}.
ثم قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} قال في رواية الكلبي: إنهم قالوا للرسل: إنا قد عرفنا نعمة الله علينا، فوالله لئن يرد الله فيئتنا وجماعتنا، والذي كنا عليه، لنعبدنه عبادة لم يعبدها إياه قوم قط.
فدعت لهم الرسل ربهم فرد الله لهم ما كانوا عليه.
وأتاهم نعمة وجعل لهم من أرضهم إلى أرض الشام قرى متصلة بعضها إلى بعض، فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} {قُرًى ظاهرة} ثم عادوا إلى الكفر فأتاهم الرسل فذكروهم نعمة الله فكذبوهم فمزقهم الله كل ممزق.
وقال غيره: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ القرى التي بَارَكْنَا فِيهَا} هذا حكاية عما كانوا فيه من قبل أن يرسل عليهم سيل العرم قرى ظاهرة يعني: متصلة على الطريق من حيث يرى بعضها من بعض {وَقَدَّرْنَا فِيهَا السير} للمبيت والمعيل من قرية إلى قرية {سِيرُواْ فِيهَا} يعني: ليسيروا فيها.
اللفظ لفظ الأمر، والمراد به الشرط والجزاء.
فلم يشكروا ربهم، فسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض.
{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ فَقَالُواْ رَبَّنَا باعد بَيْنَ أَسْفَارِنَا} وقد كانوا في قراهم آمنين منعّمين فذلك قوله: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ} يعني: أنهم كانوا يسيرون من قرية إلى قرية بالليل والنهار، آمنين من الجوع، والعطش، واللصوص، والسباع.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {بَعْدَ} بغير ألف وتشديد العين.
وقرأ الباقون {باعد} بالألف وهما لغتان بَعّدَ باعد.
وقرأ يعقوب الخضرمي وكان من أهل البصرة {رَبَّنَا} بضم الباء {باعد} بنصب العين وهو على معنى الخبر.
وروى الكلبي عن أبي صالح أنه قرأ هكذا معناه {رَبَّنَا باعد بَيْنَ أَسْفَارِنَا} فلذلك لا ينصب.
ثم قال: {وَظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ} بالشرك وتكذيب الأنبياء {فجعلناهم أَحَادِيثَ} يعني: أهلكهم الله تعالى فصاروا أحاديث للناس يتحدثون في أمرهم وشأنهم لم يبق أحد منهم في تلك القرى {ومزقناهم كُلَّ مُمَزَّقٍ} أي: فرقناهم في كل وجه، فألقى الله الأزد بعمان، والأوس والخزرج بالمدينة، وهما أخوان وأهل المدينة كانوا من أولادهما إحدى القبيلتين الخزرج والأخرى الأوس، فسموا باسم أبيهم.
وخزاعة بمكة كانوا بنو خزاعة، منهم لخم وجذام بالشام.
ويقال كلب وغسان {إِنَّ في ذَلِكَ لاَيَاتٍ} أي: في هلاكهم وتفريقهم لعبرات {لّكُلّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} يعني: للمؤمنين الذين صبروا على طاعة الله تعالى، وشكروا نعمته.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} يعني: على أهل سبأ.
ويقال: هذا ابتداء.
يعني: جميع الكفار وذلك أن إبليس قد قال: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82، 83] فكان ذلك ظنًا منه فصدق ظنه {فاتبعوه إِلاَّ فَرِيقًا} يعني: طائفة {مِنَ المؤمنين} وهم الذين قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِى لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان إِلاَّ مَنِ اتبعك مِنَ الغاوين} [الحجر: 42] وقال سعيد بن جبير: كان ظنه أنه قال: أنا ناري وآدم طيني والنار تأكل الطين.